محاضرة ألقيت في مهرجان غوتنبرغ للثقافة –السويد 2004
- مقدمة
- البحث عن الحقيقة
- اليقظة
- الإرادة والتغيير والتطهير
- انسجام مع الوجود
- التصوف الإسلامي
- السلوك والعرفان
- التطور المعرفي للتصوف الإسلامي
مقدمة
في البداية أقول أني لا أدعو في هذه المقالة إلى التصوف بل أدعوكم إلى أن تتعرفوا على فكر حضاري إنساني عميق أتى به حكماء التصوف العرفانيون منذ عدة قرون عبر مسيرة من التطور في المعرفة الروحية، لتضيف لنا في هذا العصر مزيداً من المعرفة بالقيمة الحقيقية للإنسان ودوره في تحقيق التوازن بين المادة والروح.
البحث عن الحقيقة (المسيرة الروحية لدى الصوفي)
يهتم الصوفي بالحياة كلها وليس فقط بالقوانين التي يضعها الإنسان ليفسر الحياة ،فهو يتجاوز الحواس إلى ماوراء الحواس بعد أن أدرك بحدسه وعلم بعقله أن هناك معرفة لا يمكن الوصول إليها بحواسه وتفكيره وعقلنته،الأمر الذي يعني حدوث تحولات وجدانية في داخله ، تُغير النظرة الاعتيادية إلى الحياة بهدف الوصول إلى المعرفة الحقيقية للحياة ، فهو في توق رفيع عالٍ لمعرفة الحقيقة ليعيشها بكليته أي بفكره وجدانه وكل حواسه لا ليعرفها بفكره فقط، كما هو الحال عند الفلاسفة ، فالتفكير العقلي يأتي في المراحل الأولى لدى الصوفي يستخدمه لتسديد توجهه نحو مراده ، وبالتالي يقف الفكر عند حد ليتابع القلب مسيرته الروحية إلى الله .
اليقظة
تبدأ الظاهرة باليقظة الداخلية والتي تحدث في كثير من الأحيان فجأة،وبعد ذلك يعمل على تطهير نفسه والتخلص من شوائبها بالتقشف وقتل الشهوات باستخدام المجاهدات والرياضات النفسية المختلفة والعمل بمقتضى الحكمة التي تبدأ بمعرفة النفس كما قال سقراط:اعرف نفسك…هكذا يدخل في حالات تأملية مستعيناً بالجوع والسهر والعزلة والصمت ،ويرشده معلم حكيم يسمى عند صوفية الإسلام (شيخ) .
الإرادة والتغيير والتطهير:
إن إرادة الحياة هي التي تقوم بفعلها لدى الصوفي لتحقق له التحولات للوصول إلى الحق
فالصوفي يحرص على تغيير الوجود بتغيير نفسه وترقيتها إلى أن تشرق روحه بالمعرفة الكلية والنور الإلهي، فالإنسان هو محور الكون مهما جاءت البراهين بعكس ذلك ، فهو يحيا في تحول وتعد يل وتطهير إلى ان يصل كما يصف ابن عربي بقوله( فلما صفت هذه النفوس وشفت صارت مثل المرآة وزال عنها صدأ هذه الطبيعة..انتقش فيها صور العالم فرأت مالم تكن رأته فنطقت بالغيوب والتحق بالملاء الأعلى التحاق غريب ورد على غير موطنه وهو موطنه ولكن ماعرفه لغربته ) إذاً الصوفي في ترق مستمر بهدف الوصول إلى الله والحصول على المعرفة الإلهية والذي يقابله من الجانب الآخر الكمال الإنساني.
انسجام مع الوجود
في هذا المستوى من الذوق يجد الصوفي أن الحياة والجمال تسري في كل الوجود المادي انطلاقاً من الذرة إلى المجرة إلى كل الكون وماوراء هذا الكون ،وبذلك يدخل في حالة انسجام بكليته مع هذا الوجود
إنها حالة سلام مع الخلق والتي هي ثمرة إسلامه واستسلامه للحق.
التصوف ظاهرة إنسانية تلتقي فيها جميع الأديان والتيارات الروحية
التصوف الإسلامي
صوفية الإسلام يؤكدون دائماً على تأسيهم بالرسول( ص) يقول السهروردي : الصوفية أوفر الناس حظاً في الاقتداء برسول الله وأحقهم بإحياء سنته .
فهو إذاً النموذج أوالمثال الأعلى والأكمل الذي يرنو إليه ويحققه الصوفي.
من الاخلاق التي يجب أن يتحلى بها الصوفي والماخوذة من الرسول (ص):
- التواضع: قال النبي( إن الله أوحى إلي أن تواضعوا ولا يبغي بعضكم على بعض )
- المداراة واحتمال الاذى : قال النبي( المؤمن الذي يعاشر الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لايخالطهم ولا يصبر على أذاهم).
- التجاوز والعفو ومقابلة السيئة بالحسنة:(قال النبي رأيت قصوراً مشرفة على الجنة فقلت يا جبريل لمن هذه قال: للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس)
- البشر وطلاقة الوجه : قال النبي: (كل معروف صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق)
- الانفاق على الفقراء من غير إقتار وترك الادخار:قال النبي لخادمه (الم أنهك أن تخبئ شيئاً لغد فإن الله يأتي برزق غد)
- التودد والتآلف: قال النبي المؤمن آلف مألوف لا خير فيمن لايألف ولا يؤلف.
السلوك والعرفان
لما كان الدين الإسلامي ينقسم إلى شريعة وعقيدة ، ولما كان لدى الصوفي طريقة من أجل الوصول إلى الحقيقة فإن الطريقة تقوم على الشريعة والحقيقة تنضبط بالعقيدة ، هكذا، يوضح علماء التصوف الكبار علوم التصوف ويصنفونها بشقيها السلوكي والعرفاني ( المعرفة الإلهية).
التطور المعرفي للتصوف الإسلامي
أورد هنا بشكل موجز تطور الظاهرة الصوفية من خلال روادها وأعلامها بحسب التسلسل الزمني، والتطور الذي أعنيه هنايتمثل في التطور المحقق من الناحية الفكرية والوجدانية.
– نبدأ من عصر الصحابة حيث كانت التوبة والزهد يشكلان بداية التحول الصوفي، لقد بدأت هذه الظاهرة في الصحابي أبي الدرداء بسلوكه التعبدي والتأملي الزاهد وبسعيه السلوكي الحثيث إلى تدمير الجسد قائلاُ : أحب الموت اشتياقاً إلى ربي وأحب الفقر تواضعاً إلى ربي وأحب المرض تكفيراً لخطيئتي ) هكذا يبدو تعذيب البدن وسيلة للخلاص لانها تعني التحرر من العائق الذي يحول دون الوصول إلى الله.
– ننتقل إلى عصر التابعين ، في هذا العصر يبرز الحسن البصري الذي عرف عنه الشدة في الزهد والتوكل، فقد كان الهم والحزن يغلبان على نفسية البصري، ويستولي عليه الخوف من كل سلوك يمكن أن يؤدي به إلى العذاب المهلك فأكسبه هذا الخوف شعوراً دائماً بالعذاب والكدر. يقول ( إن المؤمن يصبح حزيناً ويمسي حزيناً ولا يسعه غير ذلك لأنه بين مخافتين ,بين ذنب قد مضى لا يدري مالله يصنع فيه وبين أجل قد بقي لا يدري ما يصيب فيه من المهالك) وأيضاً يقول والله يابن آدم لئن قرأت القرآن ثم آمنت به ليطولن في الدنيا حزنك وليشتدن في الدنيا خوفك وليكثرن في الدنيا بكاؤك) هنا نجد كيف تصرف الطاقة النفسية في الآلام ولوم الذات والخوف والقلق.
– يأتي بعده إبراهيم بن الأدهم صاحب الدخول في تجربة شخصية صوفية وبداية تطور في العلاقة بين الله وعباده حيث تتجلى فيها المحبة والشوق والاصطفاء والقرب منه بعد طول مكابدة ومعاناة في مخالفة النفس
– ومن بعده شقيق بن ابراهيم البلخي الذي يعد أول من تكلم في علم الاحوال، وقد دعا إلى معرفة الله والنفس ونجد عنده تطوراً في النظرة إلى الزهد ودواعي القرب من الله والانتقال من الترغيب والترهيب الحسي إلى مفهومه المعنوي
– ننتقل إلى زهد وتوكل مالك بن دينار اللذين كانا حلقة الوصل بين توكل الحسن البصري ومذهب الحب عند رابعة العدوية التي نظمت شعراً في العشق الإلهي غير أن مالك تميز بإفراطه في العزوف عن الدنيا ودعوته إلى الامتناع عن الزواج واعتزال الناس والعلاقات الاجتماعية ،مع أن هذا التشدد يخالف بشكل صريح المنهج النبوي.
- يذكر الدكتور عبد الرحمن البدوي أن مالك(أول شخصية صوفية امتزجت فيها الروحية الإسلامية بعناصرغير إسلامية ..فقد كان يغشى أديرة النصارى ويديم الاطلاع على الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.. ومواجيده تشهد بتوكيده للجانب العاطفي الانفعالي في التصوف إلى جانب الزهد في السلوك بالإضافة لاشتهاره بمخالفة النفس ومغالبة رغباته بحالات متشددة تخرج بشكل عام عما سنه الرسول) في هذا السلوك نجد الموقف العدائي اتجاه النفس والدنيا.
– أما عند رابعة العدوية فنجد قفزة وتحولاً كبيراً في الوصول إلى جوهر التصوف وهو الحب والمحبة الإلهية، فهي شاعرة المحبة الإلهية عند الصوفية وأول من تكلم فيها ،لقد تجاوزت في تعبدها الخوف من النار والطمع في الجنة فكان حباً وتوقاً للحبيب الاول والأخير وهو الله
- من شعرها
حبيب ليس يعدله حبيب وليس لسواه في قلبي نصيب
- نجد أن التصوف نهل من مصادر مسيحية ويهودية ووثنية ووضعية في فترة ما قبل الإسلام وازداد بعد ظهوره ، حيث بدأ زهداً وتوكلاً تلقائياً عفوياً على الله ، ثم تطور هذا التوجه نحو التصنيف والتنظير ثم ازداد تشعباً وتعقيدا ليبدأ التحول من السلوك نحو العرفان حيث بدأ بإرهاصات فكرية تأملية ظهرت من خلال مسيرة التستري التأملية التأويلية الاستبطانية العميقة لآيات القرآن وهو يعبر عن عصر شهد فيه المسلمون انفتاحاً واسعاً على الثقافات الاخرى الفلسفية والروحية من رياضات نفسية ورؤى معرفية كان لها الأثر في تطور التصوف الإسلامي على صعيديه السلوكي والعرفاني ليأتي بعد ذلك في بدايات القرن الثالث الهجري حيث تتبلور وتنضج تيارات بعدة اتجاهات
- الاتجاه الأول : هو الحب الإلهي الذي يستبعد الخوف وتتمثل الغاية في رضى المحبوب وهو الله الذي لا يوجد فيه طمع بجنته أو خوف من ناره بقدر ما هو إقبال عليه، وهنا نجد الاقتران بين الحب والمعرفة الإلهية وهي الذوقية التي لايمكن الوصول إليها عن طريق العقل والبرهان بل بتجاوزه.
والحب هو الدافع لذلك والوصال مع الله هو الغاية، وبرز في ذلك ذو النون المصري الذي سعى إلى وضع مفاهيم وعبارات يشرح من خلالها العلاقة بين العبد والرب ويعرض رؤية السالكين الصوفيين في ذلك الوقت للوجود والحياة وفق ما فهموه وتمثلوه من النصوص الدينية ، بالإضافة إلى الاطلاع إلى أفكار السابقين والمعاصرين لهم من حضارات ورؤى .
إن هذا التوجه لم ينف الزهد والتوكل بل كرسهما إلا أن الحب والعشق الإلهي وليس الخوف بقي الدافع .
- الاتجاه الثاني من تطور الفكر الصوفي: هو إرادة الوصول إلى الخالق بإفناء الذات أمام الخالق وهذا مايسمى بالفناء وأوائل من صنف في هذا الامر هو أبو يزيد البسطامي والجنيد ،فقدطور الجنيد المذاهب الصوفية ونظمت على يديه ونجد أن هذا التيار قد أخذ منحى مبالغاً في التعبير عنه كما نجده عند الحلاج كما سنجده لاحقاً .
- نجد أن السالكين تدرجوا بطموحاتهم من مجرد الزهد في الحياة إلى اتخاذ التوكل أساساً في السلوك ،فقد اعتبرو ذلك قصوراً في حق الخالق الذي يستحق الحب ثم اعتبر التوقف عند مستوى الحب أيضاً قصوراً سلوكياً في حق الله لم يلبث فيه طويلاً فالحب لم يعد كافياً، فنجد أن الصوفي قد قفز في مرحلة جديدة حاسمة انتقل فيها من مجرد سالك إلى مؤلف ينقل إلينا تجربته الروحية الشخصية يدفعنا إلى الاقتداء باسلوب تفكيره وسلوكه شعراً وكتابة ثم نجد أنه قد تجاوز التعبير الوصفي إلى تحليل وتفسير تصوره وآرائه مما أوصلنا إلى مايمكن تسميته فلسفة التصوف ونجد أن البسطامي عبر عن هذا التحول قائلاً (أشد المحجوبين عن الله ثلاثة الاول الزاهد بزهده والثاني العابد بعبادته والثالث العالم بعلمه) فهو بذلك يدعونا إلى ماهو أعمق ويشير إلى أن تلك الطرق لوحدها لا توصل إلى المطلوب – هنا تظهر إعادة التوازن بين العرفان (المعرفة الإلهية) وبين السلوك (الزهد والتوكل).
- شهدت تجربة الحلاج سبقاً وتطوراً في العلاقة بين العبد والرب إلا انه نطق بأشعار وأقوال يفهم منها من حيث الظاهر الحلول والاتحاد مع الذات الإلهية بانعدام الذات الإنسانية بشكل كلي مما أدى إلى محاربته لمخالفة ظاهر الفهم لنصوصه النصوص الشرعية.
إلا أن الحلاج قد سبق صوفية المسلمين إلى القول بنظرية النور المحمدي الذي تمثل
فيه صورة الإنسان كاملة أي معرفة الكمال الإنساني .
- وبعد ذلك ظهر الإمام الغزالي ليختصر التجربة الصوفية بشخصه وليصحح توجه الصوفية ويضع لها قواعداً وأسساً علمية واخلاقية وفق الشريعة والعقيدة بعد حدوث الكثير من الشطط والانحرافات السلوكية والفكرية التي دخلت على المتصوفة.
- تعد تجربة الغزالي الصوفية نموذجاً رائعاً للتوق إلى الكمال فهو العالم الذي كان ،قبل دخوله في ميدان التصوف ، يدرس العلوم الدينية في أرقى مدارس بغداد والتي كانت العاصمة العلمية في ذلك الوقت ، فلقد كان لديه من الجاه والمكانة العلمية مالم يحزعليه غيره ،
- في هذه الذروة دخل القلق والشك فجأة إلى قلبه والذي هو بداية اليقظة الصوفية أو التحول الصوفي، حيث علم أن الكمال الذي ينشده لايصل إليه إلا عن طريق محبة الله، وقد أدى به إلى التصوف واعتزال الناس لفترة غير قصيرة بقصد الوصول إلى الحقيقة التي لم توصله إليها الكتب.
- ثم خرج من خلوته ليؤلف في التصوف ويضع خططاً وتفاصيل في السلوك الصوفي بعد أن كان يؤلف في غيرها . فقد قال (بأن التصوف هو العلم الموصل إلى الحقيقة) وهذه الفكرة وصل إليها بعد صراع مرير مع نفسه أدى به إلى أن يتخلى عما يحمل من علوم في عقله ليجرد قلبه ويطهره من أجل تلقي المعارف العليا من غير حجاب الحرف والكلمات ، فهو تجاوز الحس والعقل إلى ماوراءه دون التخلي عنهما وذلك بقصد الوصول إلى الحقيقة ،ونجد أن الغزالي قد وضع بعد هذه التجربة الخاصة كتاب إحياء علوم الدين الذي يعتبر من المراجع الكبيرة في علم النفس والسلوك الإنساني والإيماني وتُحدد هذه المراجع بشكل منهجي مفصل سلوك المؤمن بشكل عام وأخلاقه ومعاملاته وأيضاً تُحددالسلوك الروحي لدى الصوفي بشكل خاص من أجل الوصول إلى الله .
- تعتبر التجربة الروحية الخاصة التي مر بها الغزالي وفصل فيها في كتاباته نموذجاً حياً للتجربة الصوفي بشكل عام من تحولات وتطورات من أجل الوصول إلى الله من جهة وإلى الكمال الإنساني على الجهة الاخرى
- أصبحت الفلسفة والتصوف في القرنين السادس والسابع الهجريين صنوين متلازمين فكل فلسفة كانت تعتبر فاسدة إن لم تكن غايتها تحقيق نظرة متافيزيقة شاملة للوجود، وقد اعتبر كل تصوف لغواً وقصوراً إن لم يكن مستنداً إلى معارف عملية وفلسفية ،
- فنجد أن ابن سينا يتحدث عن التصوف العقلي بدون المرور بالسلوكيات التزهدية والوجدانية المختلفة ولكن بتطهير العقل وتفعيله،
- ونجد أن الفيلسوف ابن طفيل من خلال كتابه حي ابن يقظان يشير إلى وجود طريقين للوصول إلى الحقيقة الاولى عن طريق العقل والثانية عن طريق الكشف والمشاهدة والإشراق الروحي حيث يذكر الطريقة الأولى بأن في وسع الإنسان أن يرتقي من المحسوس إلى المعقول بحيث يستطيع بعقله أن يصل إلى معرفة العوالم المجردة وإلى معرفة الله. فالإنسان بمفرده يستطيع أن يكتسب المبادئ الأولى في علوم الطبيعة بنفسه وأن يميز بين الصورة والمادة وأن يرتقي من المعرفة الحسية إلى أعتاب العالم الروحاني وعندها يتسائل الإنسان بعد تأمله للكون حول نشؤء هذا العالم فيهتدي إلى وجوب وجود الصانع ثم يعود إلى طبيعة عقله الخاص واحوال هذا العقل عندها يتلمس القيمة الحقيقية للإنسان وجوهره.
أما الثانية فمبنية على الكشف والإلهام كالتي عند الصوفية والإشراقيين من خلال إدراك قوانين الوجود بالحدس من غير تطلب لها من طريق الحواس أو طريق البراهين العقلية ، وقد اطلق عليها ابن طفيل (الحكمة المشرقية) فقد يشرق الله بنوره على قلوب الذين يختارهم من خلقه فيؤدي إليهم بهذا الإشراق علماً حقيقياُ صحيحاً ومعرفة بالغيب أيضاً ومعرفة الإنسان وقدراته وطاقاته التي لا تنتهي.
- أورد هنا ابن رشد الفيلسوف ،وإنما من الجهة التي كان له لقاء مع الصوفية من خلال أكبر رموزها وهو ابن عربي حيث يرد ابن عربي اللقاء الشخصي الذي تم بين الإثنين في كتابه الشهير الفتوحات المكية ، كان هذا اللقاء في الاندلس وكان ابن عربي لم يتجاوز العشرين من عمره عندما دخل تجربته الصوفية العرفانية، سأله ابن رشد( كيف وجدتم الامر في الكشف والفيض الإلهي هل هو ما أعطاه لنا النظر ؟ قلت(ابن عربي) –نعم،لا- وبين نعم ولا تطير الارواح من موادها والاعناق من أجسادها فاصفر لونه وقعد يحوقل) إن هذه الحادثة تشير أن أن ابن رشد الفيلسوف العقلاني يعلم أن العقل وحده غير كافٍ للوصول إلى اليقين والحقيقة ، وأن المكاشفة العرفانية ما وراء العقلية هي الطريق الموصل إلى جوهر الحقيقة ،أي بالعرفان لا بالبرهان .
Leave a Reply