الذكاء العاطفي هل يساهم في تحقيق التوازن في عصر مليء بالاضطرابات؟

عندما تكون ناجحاً في حياتك العلمية أوالعملية وتحقق إنجازات جيدة أو مبهرة في دائرة عملك، لكنك في الوقت نفسه في دائرة علاقاتك الشخصية الخاصة إن كانت الزوجية أوالعائلية أو الدوائر الاجتماعية الأخرى، تجد نفسك في هذا الجانب من حياتك الشخصية والعاطفية، مسلوب السعادة إلى درجة التعاسة ، هنالك تشعر أن امراً في داخلك لم يتم تلبيته أو إنضاجه أو تفعيله.. ما هو يا ترى؟؟

في كل عصر تمر به البشرية، تظهر حاجات جديدة تُخبرنا أن ما يكفي الأمس، لا يكفي اليوم، ولن يكفي الغد. ونحن في هذا الزمان السريع المتقلب، حيث تتكاثر الضغوط وتتعدد الوجوه والاتجاهات، أصبحنا في أمسّ الحاجة إلى معرفة ذكاءٍ كامن فينا ليس من نوع الحساب والمنطق، بل من صنف آخر… إنه الذكاء العاطفي.

قد يظن البعض أن الذكاء مرتبط بالأرقام والمعادلات والشهادات فقط، لكن الإنسان الحكيم يدرك أن القيمة الحقيقية تكمن في فهم الذات، وضبط الانفعال، ولين المعاملة، وصدق التعاطف. وهي في جوهرها من علوم الحكمة القديمة التي عرفت منذ فجر الحضارة، كما قيل قديماً: أن القلب حين يُنصت، يعقل، وأن النفس حين تهدأ ترى.

ما هو الذكاء العاطفي؟؟

وفق تعريف رواده: هو قدرة الإنسان على التعامل الإيجابي مع نفسه و مع الآخرين بحيث يحقق لنفسه و لمن حوله أكبر قدر من السعادة.

في العمق حالة من الانتباه الداخلي. إنه يقظة الإنسان لنفسه، ليتأمل مشاعره وضجيج الأصوات التي في رأسه. وهو أيضًا وعي عميق بالآخر، ليس بظاهر أفعاله، بل ببواطن ألمه وتناقضات مشاعره.

في هذا العصر المتسارع في متطلباته، بات التحدي الحقيقي هو: كيف نعيش بسلام داخلي؟ كيف نضبط غضبنا ولا نُطفئ الآخرين ولا ندع الآخرين يطفئوننا ..

في بيئة العمل، حيث تضج المكاتب بالتوتر والطموح والضغط النفسي، يتميز من يعرف هذه المهارات ، ويشعرك بالأمان النفسي لمجرد وجوده. هو وعي إنساني عميق بمشاعر الذات والغير. هو احترام النفس والناس، دون الحاجة لرفع الصوت أو استخدام أدوات السلطة.

هو عملياً أن تتحرّر من ردود الفعل السطحية، وتستبدلها بفهم أعمق. أن تتحدث وأنت تشعر بما تقول. أن تنصت لا لتُجيب، بل لتفهم. أن ترى الخطأ في الآخر وتدرك في ذات اللحظة أن فيه صورة منك.

أن ندرك الجانب الذي اهملناه طيلة فترات انشغالنا بمعركة الحياة المادية ومعايشة الانتصارت على الصعيد الخارجي، وأننا تركنا عالمنا الداخلي وإمكاناتنا الوجدانية ضعيفة غير ناضجة، تعطينا إشارات خفية، بالتعاسة خلف أقنعة السعادة، والهزيمة خلف اقنعة الانتصار.

كيف تتحقق السعادة وفق الذكاء العاطفي؟

السعادة تتحقق في تفعيل الجانب المعنوي والروحي من أنفسنا، وكما يقول رواد هذا العلم لا بد من معرفة عناصر الذكاء العاطفي الرئيسية وهي كما يلي:

  1. الوعي الذاتي: أن تفهم من أنت، ما يحفزك، وما يزعجك. أن تسأل نفسك دائمًا: لماذا شعرت بهذا الشكل؟ وما الذي أثّر فيّ الآن؟
  2. إدارة النفس: أن تتحكم في انفعالاتك بدل أن تتحكم هي بك. أن تتعلم كيف تردّ دون أن تنفجر، وكيف تعبّر عن الغضب دون أن تُدمّر العلاقة.
  3. التحفيز الذاتي: أن تنهض عندما تسقط، أن تبقى متحمسًا حتى في الأوقات الصعبة، وأن تقود نفسك نحو أهدافك رغم العقبات.
  4. التعاطف: أن ترى العالم من وجهة نظر الآخرين. أن تفهم مشاعرهم، وتقدّر اختلافهم، وتتعامل معهم برقيّ واهتمام.
  5. المهارات الاجتماعية: أن تبني علاقات ناجحة، أن تعرف كيف تتواصل، وتؤثر، وتقود.

ونجد الذكاء العاطفي ليس مجرد أداة للنجاح في العمل، بل هو مسار للنمو والارتقاء في الحياة ككل،. فلا يُستخدم فقط في العمل والعلاقات، بل في اللحظات التي نقابل فيها أنفسنا دون أقنعة.

وفي مجتمعاتنا الحديثة، حيث كثُرت القطيعة والتباعد الاجتماعي الإرادي وغير الإرادي، وزاد فيه الكلام وقلّ فيه الإنصات، فإن الحاجة إلى هذا النوع من الذكاء أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. هو جسر يصل ما بين العقل والقلب ويحقق التوازن بينهما، وما بين الإنسان والإنسان، والإنسان مع خالقه.

وهكذا نجد فإن الذكاء العاطفي ليس مجرد مهارة تُكتسب لنجاح دنيوي، بل للنجاح في العلاقة مع الخالق قبل كل شيء، والتي تثمر العلاقة المتوازنة مع نفسه والآخرين.

آخر المقالات