مفهوم أرض الطغانين
هي الأرض التي تنبثق منها سلوكياتنا المتدنية
هي الأدنى الكامن في طيات أنفسنا
فيها تتجسد صفاتنا السلبية.. والتي نرفضها ظاهراً ولكننا نعمل بمقتضاها حقيقتاً..
في كل كائن فينا توجد هذه الأرض التي تنشأ منذ ولادتنا..
أرض الطغانين المشتركة في العلاقات والمجتمع
لكل علاقة بين شخصين تتشكل أرض طغانين خاصة بها
وأيضاً لكل دائرة اجتماعية ننتمي إليها من العائلة إلى الوطن
توجد أرض طغانين خاصة بها ويتم توارثها جيل بعد جيل
وهي تتصل بأرض الطغانين الخاصة لكل فرد ..
وكل جيل يضيف عليها إضافاته الخاصة إما نحو التدني أو نحو الترقي
وعليه يقاس مدى تحضر المجتمع أو تخلفه..
الطغنون كرمز داخلي للطغيان
طغانين جمع “طغنون” وهو على وزن “فصعون” فجميع من فيها هم طواغيت صغار..
لكل إنسان طغنونه الخاص به الذي يحمل الصفات المتدنية والسيئة، أو حتى أنه يحمل صفات جيدة لكنه قمعها وأهملها ويتحرج أو يخجل أن تظهر أمام الآخرين.
وكما أن للذكر طغنون فإن للأنثى طغنونة تتناسب مع حالتها الأنثوية.
مثلًا، طغنون الرجل قد يظهر عندما يتصرف بتسلط أو غضب في مواقف معينة، في حين قد يكون طغنون المرأة هو شعورها بالضعف أو الخجل في التعبير عن آرائها أمام الآخرين.
تصنيفات الطغنون وفق القرآن
القرآن وصف الإنسان الأدنى وسلوكياته، وبما أن الطغنون مجسد الصفات المتدنية إلا أن بعض هذه الصفات تتغلب على الآخرى فتكون هي السمة العامة لهذا الطغنون بمواقف معينة.. فنقول هذا طغنون متسلط إذا غلب عليه التسلط، وهذا طغنون غضوب أو عنيف، أو طغنون مستضغف،أو طغنون متكبر.. منافق.. مرائي.. مستغل..متشائم ..حقود..حسود..ظنون…ألخ
العلاقة الخافية بين الطغانين
عندما تتشكل علاقة واعية بين شخصين تأكد من أن هنالك علاقة غير واعية تتشكل بينهما أيضا في خافية كل منهما، وهي أرض الطغانين المشتركة بينهما، وسيكون شكل هذه العلاقة مرتبط بالصفة السائدة لدى كل طغنون..
فإذا التقى شخص لديه طغنون متسلط مع شخص لديه طغنون مستضعف ستكون العلاقة تسلطية بامتياز حتى دون وعيهم بذلك. وإذا كان الطرفان متسلطان فسترجح كفة العلاقة للأقوى وسيتحول الطغنون الآخر إلى طغنون مستضعف أو مقهور،وهكذا يمكن أن نقيس شكل العلاقة لبقية الطغانين.
الطغنون قوة مهيمنة في الخفاء
صحيح أن الطغنون هذا يقبع في الخفايا المظلمة من النفس لكنه سيد أرض الطغانين، ومن طبيعته توسيع هذه الأرض بالتمدد وتجاوزه للحدود من أجل السيطرة وتحقيق رغباته ونزواته وإمكاناته المقموعة.
وما أن يتاح للطغنون الخروج حتى يسارع بالظهور في لحظات من غفلة العقل، ويطل برأسه في الهفوات والنزوات وساعات الغضب، حيث لا يستطيع المرء الحفاظ على قناعه الرزين الذي يظهره عادة أمام الآخرين ليخفي وجه طغنونه الحقيقي.
فالشخص الذي عادة ما يكون هادئًا قد يتحول فجأة إلى شخص عدواني في لحظة ضعف، متخليًا عن تحكمه في نفسه.
إذا ضعفت إرادة العقل أمام قوة الطغنون فإنه سيسيطر على شخصية حامله.. ويحقق رغباته ونزواته دون رادع أو مانع.
القوانين النفسية لأرض الطغانين
ومن المهم أن نعلم أن لأرض الطغانين هذه قوانينها الخاصة التي تحكمها، أشارت إليها كتب الأخلاق والحكمة والأديان وعلوم النفس والشخصية وعلوم السياسة.
ومعرفة هذه القوانين مطلب مهم لتجاوز تحكم الطغانين في شخصية الإنسان والسيطرة على مصيره، لذلك علينا قبل كل شيء أن نكون على وعي تام بوجودها وتأثيرها. ومحاولة تحديد متى يظهر الطغنون وما الذي يحفزه.
وبمواجة الطغانين بوعي واستنارة إيمانية، يمكننا التقليل من تأثيرها على سلوكنا، ويمكن ترقيتها وتهذيبها وتوجيه طاقاتها بشكل إيجابي نحو حياة أكثر سعادة وحكمة وتوازن في علاقتنا بأنفسنا وبالآخرين.
الصراع بين العقل والطغنون في الكيان الإنساني
لكل إنسان كيانه أو عالمه الخاص، هي مملكته الإنسانية.. إنها عالم الإنسان الواسع والتي يحاول الطغنون السيطرة عليها لتحقيق رغباته ونزواته، وهنا يحدث الصراع داخل هذا الكيان الإنساني بين قوتين الأولى راقية واعية وهي قوة العقل والأخرى متدنية خافية وهي قوة الطغنون
والطغنون أيضاً له هواء يتنفسه وهو الهوى فهو عشقه لنفسه وأناه
وفضاء يتحرك به وهو الوهم و مركب يطير به ويتقاذفه الهوى بطيش وجنون وهي الشهوة، ووقود هذا المركب الكراهية وناره الحسد، ونظارته التي يلبسها على عينيه هي الظن السيء
ضبط الطغنون وتحجيم سلطته
الطغيان بالأصل هو تجاوز الحدود، والطغنون من أي نوع كان طبيعته أن يتجاوز حدوده وإلا ما سُمي طغنون أصلاً.
مهمة الإنسان الواعي أن يدرك طغنونه ويضعه تحت المراقبة الدائمة وتحت السيطرة، ويضعف انفعاله ويمنعه من تجاوز حدوده ويعمل على تهذيبه وترقيته وتوجيه طاقته للشيء النافع دون أن يسبب أذىً لنفسه أو للآخرين.
أيضاً مهمة الإنسان الواعي أن يدرك طغانين الآخرين ويعمل على منعهم تجاوز حدودهم معه واقتحام كيانه النفسي والدخول في علاقة خافية (لا واعية)مع طغنونه،
أرض الطغانين كمنظومة علاقات تحكمها السيطرة
أرض الطغانين ليست مجرد صورة رمزية لحالة نفسية، بل هي بنية خفية ومتشابكة تحكم تفاعلاتنا اليومية مع الآخرين. إنها عالم داخلي يقوم على شبكة من العلاقات النفسية المعقدة، حيث لا يتعامل الفرد مع الناس كما هم في حقيقتهم، بل من خلال صور ذهنية مشوهة، وانفعالات غير واعية، وانطباعات مسبقة تتشكل من التجارب الماضية والبرمجات النفسية العميقة.
في هذه الأرض، لا توجد علاقات بريئة أو محايدة، بل كل علاقة – سواء كانت عائلية، أو مهنية، أو اجتماعية – محكومة بقانون “الهيمنة والسيطرة”، وهيمنة الطغنون هي السمة الأبرز. فكل طغنون يسعى لفرض ذاته والتفوق على الآخر، ليس بالضرورة عن طريق العدوان الظاهر، بل أحيانًا من خلال الاستضعاف، أو التلاعب العاطفي، أو التظاهر بالضعف لجرّ الآخر إلى موقع المستجيب أو الخاضع.
كلما زادت كثافة الطغانين في علاقة ما، أصبحت العلاقة أكثر توتراً، غير متوازنة، وتميل إلى الاستغلال المتبادل أو التنافس الخفي. وهذه العلاقات لا تتغذى على الحب أو التفاهم، بل على الرغبة اللاواعية في الانتصار النفسي أو الهروب من شعور داخلي بالنقص.
في هذا السياق، العلاقات في أرض الطغانين لا تُبنى على الوعي، بل على قوانين خفية مثل:
– قانون “الغلبة” (أنا أو أنت)،
– قانون “الإسقاط” (ألومك لأني لا أتحمل رؤية نفسي)،
– قانون “الاحتياج المزيف” (أتمسك بك لأنني خائف من وحدتي)،
– قانون “الهيبة الخارجية” (أخفي ضعفي خلف قناع القوة).
وغيرها من القوانين التي نحاول تسليط الضوء عليها لتفكيكها والخروج من أسرها
وأخيراً
من المهم معرفة أن كل طغنون في هذه الأرض يعمل كعنصر في شبكة ضخمة من الطغانين الآخرين، وكل طغنون يؤثر ويتأثر، في محاولة مستمرة لتوسيع رقعة أرض الطغيان على حساب الآخر. وهذا ما يجعل أرض الطغانين منظومة ديناميكية، أي أنها لا تبقى ثابتة، بل تتطور وتتحول وتزداد تعقيدًا بمرور الوقت، خاصة إن لم يكن هنالك وعي كافٍ لتفكيكها.
وما يفاقم من خطورة هذه المنظومة هو أنها تُورَّث وتُعاد برمجتها عبر الأجيال. فالأب الطغنون يورث طغنونه لابنه دون وعي، والمدير المتسلط يخلق طغنانين في فريقه، والعلاقات العاطفية المريضة تنتج دوائر من الألم تتكرر.
لكسر هذه الحلقة، يجب على الفرد أن يراقب نفسه داخليًا، ويتتبع لحظات التوتر والصراع في علاقاته، ويسأل:
– من يحركني الآن؟ عقلي الواعي أم طغنوني؟
– هل أريد الحقيقة أم أريد أن أنتصر؟
– هل أبحث عن الحضور أم عن الهيمنة؟
فبطرح مثل هذه الأسئلة، يبدأ الإنسان في تفكيك شبكة الطغيان داخل نفسه، ويُحدث شرخًا في جدار أرض الطغانين، ويفتح بوابة نحو وعي أرقى، يمكنه من خلاله بناء علاقات أكثر توازنًا وإنسانية.
Leave a Reply